الإدب الإسلامي

 

صدى العيد

 

 

شعر :  الشاعر الشيخ عبد الله بن صالح العثيمين

المملكة العربية السعودية

  

 

  

 

 

 

(عِيدٌ بِأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يَا عيدُ

بِمَا مَضَى أَمْ لأَمْرٍ فيك تَجْدِيد؟)(1)

هذا السؤالُ مليكُ الشعرِ سَيِّدُه

أَلْقَاهُ فَالدَّهْرُ إِنشادٌ وَتَغْرِيدُ

وكلُّ مَا صِيغَ مِنْ مَعْسولِ قَافِيَةٍ

صدًى لما صاغه بدعًا وترديدُ(2)

مَا أَرْوَعَ المُلْهَم الكِنْدي نائِلُه

خُودٌ من الفَنِّ أبكارٌ أَمَالِيدُ

هَذِي تَروحُ بقَلْبِ الصبِّ مُقْلَتُهَا

وَتلك يَغْدُو به مِنْ سَحْرِهِ الجِيدُ

حُسنٌ مِنَ البَدْوِ لَمْ يُجَلَبْ بتَطْرِيَةٍ

هو الأصالةُ لا زيفٌ وتقليدُ(3)

مَا كانَ أَرْوَعَ مَن دانتْ شَوَارِدُها

لَه وَ أَرْهَقَ مَنْ حَاكَوْه تَسْهِيدُ(4)

فذُّ الطُّموحِ تَعَالى عَزمُ هِمَّتِه

عَمَّا ارْتَضَاه نَديمُ الذُّلِّ رِعْدِيدُ

لم يَقْبَلِ الضَّيمَ إذْ لاَحَتْ بَوادِرُه

مِنْ حَاكِمٍ زَفَّه لِلْحُكْمِ إِخْشِيدُ

وأسـتَأْسَدَتْ فِي ثَرَى مِصْرَ ثَعَالِبُها

حَتّى اخْتَفَتْ مِن جنى الكرْمِ العَناقِيدُ(5)

مَاذا تَراهُ لَو أنَّ العُمْر مُدَّ به

وَحَاضِرُ العُرْب بالإِذْلاَلِ عِربيدُ

مَاذَا يَقُولُ؟ أَيَجْلو صَوَتُ مِذْوَدِه

وَجْهَ الحقيقةِ؟ هَلْ تَحْلُو الأَنَاشِيدُ؟

كلُ الْمَواطِنِ مصرٌ أمرُ حَاكِمِهَا

يُمْلِيهِ أَعْوانُ صَهْيونِ الْمَناكِيدُ

غَدَتْ فلسطينُ أشْلاَءَ مُمَزَّقَةً

وَحَلَّ فِي أَهْلِهَا فَتْكٌ وَتَشْرِيدُ

وَالْقُدْسُ غَيّرَ مُحْتَلٌّ هُويَّتَهَا

وَانْتَابَهَا مِنْ يَدِ الأَوبَاشِ تَهْوِيدُ

وَالسَّادِرُونَ مِنَ الحُكَّام دَيْدَنُهُمْ

فِي كُلِّ نَازِلةٍ شَجَبٌ وتَنْدِيدُ

هَامُوا وَراءَ سَرَابٍ السِّلْمِ زَادَهُمُ

مِنْ عَمِّهمِ سامٍ تَوجِيهٌ وتعميدُ

وَطَاعَةُ السيِّدِ الْجَبَّارِ وَاجِبَةٌ

لِهَا بـِشَرعِ سُكارى الذُّلِّ تَأْكِيدُ

وَمُقْتَضى الطَّاعَةِ العَمْياءِ مَظْهَرُها

مِن الأَذِلاَّءِ تَسْبِيحٌ وَتَحْمِيدُ

بَاعُوا المُواطِنَ كي تَبْقى مَناصِبُهُمْ

يُحيطُها مِن رِضا الأَسْيادِ تَأْييدُ

ما للمُكَفْكِف دَمْعًا؟ حبُّ صَارِمِه

بَرّاه فانداحَ مِن شَكْواهُ تَمْجِيدُ(6)

وَالْمُشْفِقُونَ عَلى دارِ السلامِ عَلَتْ

وُجَوهَهُم مِنْ مَآسِيها تَجَاعِيدُ

جَحَافِلُ الْمَوتِ قَد حَلَّتْ بِسَاحَتِها

وَضِيمَ في لاَبتَيْهَا أَهْلُهَا الصِّيدُ

وَمُلْتَقَى الرَّافِدَيْنَ المُسْتَطابُ غَدا

فَيه لأَقْدَامِ مُحْتَلِّيْه تَوطِيدُ

أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ وَهَلْ فِي الأُفُقِ مِنْ أَمَل

يُرْجَى؟ وَهَلْ يُعْقِبُ التمزيقَ تَوحِيدُ؟

مَسْتَقْبَلٌ لَيسَ يَدْرِي كُنَهَه فَطِنٌ

فِي رَأْيِه عِنْدَ طَرحِ الرَّأْيِ تَسْدِيدُ

وَالعِيدُ عَادَ وَدَامِي الجُرْحِ يَسْأَلُه

(عِيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدْتَّ يَا عِيْدُ؟)

*  *  *

1- البيت مطلع قصيدة مشهورة للمتنبي قالها في كافور الإخشيدي حاكم مصر.

2- في البيتين تلميح لقول المتنبي :

وما الدهرُ إلا من رواةِ قصائدي

إذا قلت شعرًا أصبح الدهرُ منشدا

ودَعْ كلَ صوتٍ غيرَ صوتي فإنني

أنا الطائرُ المحكي والآخر الصدى

3- في البيت إشارة إلى قول المتنبي :

حسنُ الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوةِ حسنٌ غيرُ مجلوب

4- في البيت إشارة إلى قول المتنبي :

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرَّاها ويختصم

5- إشارة إلى قول المتنبي :

نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثالبها

فقد بشمن وما تفنى العناقيد

6- إشارة إلى قول المتنبي :

ما لي أكفكف دمعًا قد برى جسدي

وتدَّعي حبَّ سيفِ الدولةِ الأممُ

*  *  *

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1428هـ = سبتمبر – نوفمبر 2007م ، العـدد : 9–10 ، السنـة : 31.